3 فبراير 2013

تفاصيل المحاكمة



لم تزل ظلمة الليل تغطي اورشليم و معظم اهلها في سبات عميق .. في هذا الوقت من الليل و على غير العادة اجتماع على مستوى عال في قاعة الاستماع الفسيحة. انه مجلس من سبعين من رؤساء اسرائيل يرأسهم رئيس الكهنة وظيفته ان يقرر العدالة بحسب كتاب الناموس و باسم الله العلى. و كان الواجب الاساسي لهؤلاء ان يتأكدوا من اتمام الفرائض، و ان يحكموا في المنازعات القضائية بين الاسباط ، و بلا شك فانه من حقهم ان يحضروا امامهم رجلا قال عن نفسه انه المسيا ليفحصوة بكل دقة، و لم نجد ابدا ان القدوس كان يناقشهم في حقهم ان يفعلوا ذلك.
و امام هذه المحكمة العليا يمثل مخلص البشرية و هو موثق بالسلاسل، و لكنهم كانوا قد عقدوا النية ان يسلموه للموت. لماذا؟ لقد كان يفسد ألاعيب هؤلاء القوم المتكبرين الذين يحاكمونه الآن، و كان يوبخهم على اعمالهم الصادرة عن انانية بغيضة ، و يزعجهم في اوكار خطاياهم و لا يوافق على طريق الضلال التي يسلكونها، و يدين افعالهم الجسدانية الشريرة، و يكشف لهم عن حاجتهم الى ذلك البر الذي به فقط يمكنهم الوقوف امام الله، و من اجل هذه الاسباب يبغضونه و يطلبون شهودا ضده. و ترى اي شهود سيحضرونهم؟ انهم يهود لا يناقضون فقط احدهم الآخر في كل كلمة، بل كانوا يناقضون انفسهم! في حين ان الشهود الذين نستند نحن عليهم ليقفوا في جانب ايماننا هم الانبياء و البشيرون و الرسل و الاف الشهداء الذين رنموا له تسابيح الحمد وسط النيران.
ويحاول المجلس بمشقة ان يلبس جريمته مظهرا من مظاهر العدالة، و يجد صعوبة في ايجاد الشهود ضد يسوع ، و يدفعهم اليأس الى ان يلجأوا الى وسيلة في منهى الضعة، فأغروا جماعة من المرتشين و حرضوهم ليكونوا شهود زور، لكي يلصقوا تهمة كاذبة بهذا القدوس، و لكن ماذا كانت النتيجة؟ لقد فضحوا انفسهم و الذين استأجروهم، و لم يعملوا اكثر من انهم اضافوا براهين جديدة على براءة المتهم، و كل ما اوردوه كان يحكم على نفسه ببطلانه، و حتى ما ذكروه من تهم لم يكن لناموس موسى ان يدينها، و يزداد ارتباك الشهود، و يناقض احدهم الآخر ضد ارادتهم.
و يجد المجلس الموقر نفسه الان في ورطة اليمة و في النهاية يقدم شاهدا زور على امل ان يسدوا النقص في توفر الادلة في كلام الشهود السابقين، بعبارة وردت في كلام الرب قبل هذا التاريخ بعام، و هى الكلمات الواردة في (يو2: 19) "انقضوا هذا الهيكل و في ثلاثة ايام اقيمه" و قد اساء اليهود حينذاك فهم هذه العبارة بارادتهم ليجدوا عليه فرصة ، فقالوا "في ستة و اربعين سنة بنى هذا الهيكل و انت في ثلاثة ايام تقيمه؟" و لكن كما يقول البشير "انه كان يتكلم عن هيكل جسده" و كان الشاهدان يظنان ان هذه العبارة تصلح، ليس فقط في اظهار المتهم بمظهر المفتخر الشرير، بل ايضا بارتكابه جرما ضد عظمة الله بتجديفه على الهيكل.
ومع كل هذا لم يجد رئيس الكهنة الجرأة الكافية لينطق بالحكم عليه مستندا على ادلة واهية و موضع شك كهذه، و كان ضميره لا يزال يعلن له ضعف و تفاهة هذه الشهادات الاخيرة ايضا. و كان يعلم في نفسه ان الشعب لن يقتنع بهذه المحاكمة، كما ان الهدوء العجيب المؤثر الذي ظهر به المتهم عندما واجه الاتهام الخبيث لهذين الشاهدين منع القاضي ان ينطق بالحكم. و في النهاية كان كل ما جرى في المحاكمة في جانب مجد الرب ، الامر الذي جعل قداسته، التى لا تشوبها شائبة، واضحة كل الوضوح امام انظار الجميع، نعم فهو حمل الله الذي بلا عيب.
و يلتفت القاضي بنظرات عابسة اراد بها ان يخفي حيرته و ارتباكه و لو قليلا، ثم يوجه سؤالا الى المتهم "اما تجيب بشئ ماذا يشهد به هؤلاء عليك؟" و يخبرنا الكتاب ان يسوع "كان ساكتا" و ما ابلغه من صمت! و لماذا يتكلم كثيرا بينما شهد له اعداؤه، على غير ارادتهم، بقوة حتى لم تعد بعد حاجة الى ان يبرر نفسه؟!
فبقى ساكنا.