4 يونيو 2012

باراباس .. انا و انت


رسم أحد المصورين صورة باراباس بعد صدور قرار العفو عنه، وهو يخرج من دار الولاية، ضاحكًا، وقد التف حوله جمع غفير، يحيونه، ويهتفون له، ويمكن لنا تخيل الموكب، وحديث المحيطين به، فمنهم من نسب الحادث كضربة حظ، تأتي في العادة إلى المحظوظين من الناس، الذين تتبدل أوضاعهم من النقيض إلى النقيض، فإذا كان غيرهم يواجه الموت، فإنهم وهم أبناء الموت، يواجهون الحياة والحرية والانطلاق على غير انتظار .. وهم سعداء لأن هذا هو الحظ وخبطته في حياة الناس،
لكن المأساة المؤلمة في القصة كما عرضها المصور، أن باراباس في خروجه إلى الحياة والحرية لم يلتفت لحظة واحدة إلى « البديل » الذي أخذ مكانه في الألم والموت ! وهي المأساة المحزنة التي تتكرر في كل العصور والأجيال والتي أجملها إشعياء في قوله : « ونحن حسبناه مصابًا مضروبًا من الله ومذلولا . وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا » ( إش 53: 4 و5 ) .. ترى هل نعلم جميعنا أننا باراباس .. !
يعتقد الكثيرون أن باراباس كان واحدًا من حزب الغيورين، الذي نهض لمقاومة الغزاة الأجانب، فهوامتداد لحركة المكابيين، وفي أيام الرومان كان الصراع مميتًا بينه وبينهم، حتى قضى عليهم تيطس الروماني وسحقهم بالتمام عند تدميره لأورشليم.
بدأ باراباس، شأنه شأن كل وطني متطرف بفكره، إنقاذ بلاده وشعبه، فلما ضيق الرومان عليهم السبل، تحولوا إلى السلب والنهب وأضحوا من أشر قطاع الطرق، وكانوا سبب مأساة أمة بأكملها !.

باراباس والاختيار البشع:
لم يكن بيلاطس يتصور قط وهو يضع باراباس والمسيح في كفتي ميزان أمام الجماهير أنها ستفضل باراباس، إذ أن هذا التفضيل كان حسب تصوره، وحسب تصور أي إنسان، يخلو من كل عقل وإدراك وتفكير ومنطق، ولكن من قال إن الإنسان يعيش بالعقل والمنطق،
فالحروب التي تدمر الغالب والمغلوب معًا، مازالت هي السائدة في منطق البشر حتى ليقال إن العالم لم يهدأ من الحرب طوال ألفي عام أكثر من مائة وثلاثين عاماً، كما أن إقدام الناس على إدمان المسكرات والمخدرات وهم يعلمون ضررها المؤكد على كل شيء عندهم، شاهد على اختيارهم الأحمق غير المنطقي على الإطلاق ! فإذا وقفنا على ربي التاريخ، وتأملنا الجنس البشري، وهو يختار الشر أكثر من الخير، والرذيلة أكثر من الفضيلة، والهدم أكثر من البناء، والانتقام أكثر من الإحسان والمساعدة والمعونة، عرفنا لماذا هتفوا يوم الصليب، ليس هذا بل باراباس، وكان باراباس لصًا.
نحن لا نستطيع أن نتهم الذين هتفوا عند الدخول الانتصاري قبل ذلك بأيام خمسة، وهم يصيحون : أوصنا مبارك الآتي باسم الرب بأنهم هم جميعهم قد انقلبوا بين عشية وضحاها إلى الهتاف المضاد : « أصلبه»
لكننا لا نستبعد أن بينهم من هتف في الحالين، وتقلب على الوضعين، ومن العجيب أن السيد المسيح كان شديد الحذر من انفعال الجماهير وتقلبها في شتى الاتجاهات، ومن ثم قيل عنه : « ولما كان في أورشليم في عيد الفصح آمن كثيرون باسمه إذ رأوا الآيات التي صنع لكن يسوع لم يأتمنهم على نفسه لأنه كان يعرف الجميع . ولأنه لم يكن محتاجًا أن يشهد أحد عن الإنسان لأنه علم ما كان في الإنسان » ( يو 2: 23 – 25 ) .
باراباس والبديل العظيم:
على أنه مهما تكن قصة باراباس، ومغزى الاختيار البشع الظاهر فيها . إلا أنه لا ينبغي أن ننسى أن باراباس اللص المجرم الآثم، وجد البديل العظيم الذي أعطاه الحرية والحياة، من حيث لا يتوقع ! وقبل أن نرفع الأحجار لنرمى الرجل بها، علينا أن نتأكد من أن كل واحد منا باراباس في مواجهة المسيح ! وهل نمتاز عن اللص القديم في شيء ؟ لقد جاء حمل الله الوديع ليأخذ مكاننا في القصاص والعدالة الإلهية.