21 مارس 2013

رواية "النبي" - جبران خليل جبران

 "ينطق”المصطفى” نبى جبران بالشعر ممزوجا ً بالحكمة يغوص به فى أعماق الإنسان ليتغنى بالإنسان والطبيعة والحب والحياة وينسكب نورا ًلا ينير غير الجوانب الخيرة الرائعة فى الحياة والإنسان مؤمنا بنفع الإنسان وصلاحه وصفائه ونقائه من الشرور ، إنه يهمس إلى الذات العظمى الكامنة فى البشر جميعا ، التى تنفلت من الصور المادية لتلتقى متحدة متألفة فى عالم السماء . يتحدث إلى الإنسان العظيم الذى يمثل فى كيانه غير المحدود البشر أجمع لحماً ودماً والذى هو وحده منه". - د/ ثروت عكاشة

ظل المصطفى أثنى عشرة سنة بمدينة أورفاليس يترقب سفينته ليعود إلى الجزيرة التى شهدت مولده .
إرتقى التل ليرى سفينته تأتى مع الغمام فطارت فرحته بعيداً حتى رفت على البحر وأطبق عينيه يردد الصلوات فى محراب السكون من روحه ، وكأنه تذكر فراقه عن المدينة، فغمره حزن عميق ، فقال: ليس ما أنزعه اليوم ثوبا ً بل جلدى أمزقه بيدى هاتين ، ولست أنزع فكرة أخلفها ورائى بل هو قلب رق بالجوع والظمأ…على أنه ليس لى أن أطيل البقاء،  فالبحر الذى يهتف بكل الكائنات إليه يهتف بى أن أقبل ولا مفر من نشر الشراع.
وعندما شاهد سفينته تقترب من الميناء وفى مقدمتها ملاحون من وطنه هتف بهم من الاعماق: أبناء أمى الأزليه ، يافرسان الموج هاأنذا على أهبة الرحيل وقد أطلقت لهفتى شراعها كاملا ترتقب الريح.
وبينما هو ماض فى طريقه ، إذ أنس على البعد رجالا ً ونساءً  قد تركوا حقولهم وكرومهم مسرعين نحو أبواب المدينة تتعالى أصواتهم باسمه ويسألونه البقاء قائلين له: لست بيننا ضيفا ًولا غريبا ً بل أنت ولدنا الحبيب عشقته أرواحنا ، لا تدع أمواج البحر تفرق بيننا الأن ، ولا تجعل السنين التى قضيتها بين ظهرانينا تؤول إلى ذكرى فقد طفت بنا روحا ً  ، وكان ظلك لنا نورا ً  يشيع فى وجوهنا .
وفى الساحة الكبرى أمام المعبد أخذ القوم يسألونه أن يتحدث إليهم مما عنده من الحق وأن يكشف لهم عن خبايا نفوسهم  وأن يطلعهم بما أوتى به من علم .
فشرع القوم يتسائلون فى كل ما يشغل بالهم من الأمور وأخذ المصطفى يروى لهم ظمأهم ويطوف بهم فى عالم حكمته وعلمه.
فى عالم الحب طاف بهم …
فالحب لا يعطى إلا ذاته ، ولا يأخذ إلا من ذاته
والحب لا يملك ، ولا يملكه أحد، فالحب حسبه أنه الحب
وعن الزواج حدثهم
ليحب أحدكما الأخر ولكن لا تجعلا من الحب قيدا ًبل اجعلاه  بحرا متدفقا بين شواطىء أرواحكما
غنيا وارقصا وامرحا معا ، ولكن ليخل كل إلى شأنه فإن أوتار القيثارة مشدودة على افتراق وإن خفقت جميعا بلحن واحد
وعن الأطفال يجيب
بكم يخرجون إلى الحياة ولكن ليس منكم وإن عاشوا فى كنفكم فما هم ملككم ، قد تمنحونهم حبكم ولكن دون أفكاركم فلهم أفكارهم ، وفى وسعكم السعى لتكونوا مثلهم ولكن لا تحاولوا ان تجعلوهم مثلكم
وعن العطاء يقول
جميل أن تعطى من يسألك وأجمل منه أن تعطى من لايسألك وقد أدركت عوزه.
فالحق أن الحياة هى التى تعطى الحياة ولست أنت يامن تظن أنك معط سوى شاهد
وتوجه بحديثه إلى القضاة فحدثهم
وأنتم أيها القضاة ، يامن ينشدون العدالة أى حكم تصدرون على من برىء جسده وأثمت سريرته؟
وأى قصاص هذا الذى تنزلونه بمن ذبح جسداً وهو نفسه ذبيح السريرة ؟
وكيف تحاكمون من تتسم فعاله بالخديعة والعدوان ، وهو نفسه قد حل به ظلم وانتهكت عنده حرمات؟
وكيف تعاقبون من فاق تأنيب ضميرهم ماقدمت أيديهم من سوء؟
وفى معرفة النفس قال:
لا تسير فى خط مرسوم ، ولا تنمو كما تنمو القصبة ، وإنما هى تتفتح كزهرة اللوتس ، أكمامها لا تحصى
وجال بمن سأل عن الكلام فى عالمه فقال:
إنكم تتكلمون حين يدب الخصام بينكم وبين أفكاركم ، ومع أكثر كلامكم يهلك نصف تفكيركم.
وعن الخير والشر يقول:
وهل الشر إلا خير أضناه ماكمن فيه من جوع وظمأ؟
لعمرى إن الخير إذا جاع ألتمس الطعام ولو فى الكهوف المظلمة ، وإذاعطش روى ظمأه ولو من المياه الأسنة
وغادر المصطفى المدينة وقلبه يحدث أهالى أورفاليس فى شوق وحزن:
إذا خفت صوتى فى أذانكم ، واضمحل حبى فى ذاكرتكم ، فلأرجعن إليكم فأحدثكم بقلب أخصب عاطفة وشفتين أكثر استجابة للروح.
===
لتحميل الكتاب اضغط هنــــــا