7 يونيو 2013

المسيح يحاكم امام هيرودس



قد يبدو غريبا ان هيرودس لم ير الرب يسوع من قبل مع ان الرب اقام في الجليل لفتراة طويلة، و لم يخطر قط ببال هيرودس ان يخطو خطوة واحدة ليتعرف على الناصري الذى كانت معجزاته على كل لسان، فقد خلا قلبه من اي اهتمام بالامور الدينية‘ و ربما كبرياؤه منعته من ذلك.
و حينما ارسل بيلاطس اليه يسوع ليحاكم، كم كان سروره عظيما فلقد تحققت له اخيرا رغبته في ان يراه اذ يقول الانجيل:
"‏وَأَمَّا هِيرُودُسُ فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ فَرِحَ جِدًّا، لأَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ مِنْ زَمَانٍ طَوِيل أَنْ يَرَاهُ، لِسَمَاعِهِ عَنْهُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً" (لو23:8).
و يقدم هيرودس للرب بعض الاسئلة التى تدل على الحماقة، لكن الرب لم يعطه جوابا و يظل صامتا. ‏"وَسَأَلَهُ بِكَلاَمٍ كَثِيرٍ فَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ."
و يظل الملك في تقديم اسئلته، و المخلص مستمر في صمته.. و يشتعل غضب رؤساء الكهنة و الكتبة فيبدأون حملة جديدة من الاتهامات في عنف و شدة .
"‏وَوَقَفَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ بِاشْتِدَادٍ" و لكن الرب يعتبرهم انهم لا يستحقون جوابا و يبقى متمسكا بصمته. "وَتَرَجَّى أَنْ يَرَي آيَةً تُصْنَعُ مِنْهُ".
بعد ان رفض الرب ان يحقق رغبة هيرودس وحاشيته فهم اولئك الجبناء من مسلكه انه لا يستطيع ان يصنع معجزة فابتداوا يحتقرونه و يهزأون به. "‏فَاحْتَقَرَهُ هِيرُودُسُ مَعَ عَسْكَرِهِ وَاسْتَهْزَأَ بِهِ". و ما ابشع الاهانات التى احتملها الرب في محضر هيرودس و بلاطه فقد عاملوه و كأنه ساحر مشعوذ لقد طلبوا اليه ان يعرض فنونه لتسليتهم، و اذوا اذنيه باسئلتهم السفيهة.
 
كم هى امور يرعبنا التفكير فيها عندما يسمح الرب لقوم فاسقين ان يجعلوه هدفا لاستهزائه مع انه في سلطانه ان يطوح بهذه الجماعة المستهترة بمجرد كلمة منه. و لكنه لا يحرك ساكنا و يبقي صامتا لا لانه يعلم انه هنا النار و الحطب و انه هو الحمل للمحرقة.
و ذاب الخصام العميق القديم الذى استمر طويلا بين بيلاطس و هيرودس و تحول فجأة الى شعور بالصداقة لما رآه الاخير من لطف عندما ارسل اليه الوالي المعلم اليهودى المتهم.
"فَصَارَ بِيلاَطُسُ وَهِيرُودُسُ صَدِيقَيْنِ مَعَ بَعْضِهِمَا فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، لأَنَّهُمَا كَانَا مِنْ قَبْلُ فِي عَدَاوَةٍ بَيْنَهُمَا.
فان كان الموقف الموحد ضد الرب يستطيع ان يحول عدوين لدودين الى صديقين حميمين فكم تكون قوة روابط الالفة التى يؤلفها الحب المشتركللفادى الممجد. انني اؤمن بشركة القديسين. فليت الرب يلهب في قلوب اولاده مشاعر الحب الاخوي الصادق بعضهم نحو بعض.

2 يونيو 2013

قبلة الخائن



  امامنا الآن منظر وداع مشحون بالكآبة و الحزن لم ير العالم نظيره فيه يفترق يسوع عن تلميذه يهوذا الى الابد.
وقبل ان نرى في قبلة الخائن ثمرة فساده الداخلى ، دعنا اولا نلقي نظرة على النبوات التي تتحدث عنه "رجل سلامتي الذي وثقت به ، اكل خبزي رفع على عقبه"(مز41) . "لتكن ايامه قليلة ووظيفته ليأخذها آخر . احب اللعنة فأتته و لم يسر بالبركة فتباعدت عنه. و لبس اللعنة مثل ثوبه فدخلت كمياه فى حشاه، و كزيت في عظامه"(مز69). و في (مزمو69) "لتصر داره خرابا و في خيامه لا يكن ساكن".
انه الآن يقترب من الرب تحت ستار الصداقة الوثيقة، و يرحب به بعبارة "السلام يا سيدي". و يتجاسر ان يلوث وجه ابن الانسان بقبلته الخائنة كأفعى سام تنبعث من شجرة الورد.
آه ، ليت قبلة الخائن كانت هى الاخيرة من نوعها ! لكن يسوع لا يزال حتى اليوم يقاسي من مثيلاتها، فالاعتراف به بالفم بينما ينكره سلوكنا ليس سوى قبلة يهوذا.
و يصيح الخائن "السلام يا سيدي" كانت هذه الكلمات كطعنة خنجر مسمم في قلب القدوس، و بكل هدوء تقبلها و لا يرفض القبلة الخبيثة ذاتها. انه يعرف ان هذا الكدر قطرة مما مزج له في كأسه التي تعينت له بارادة الآب، وان وراء هذا التصرف الاحمق الممقوت تختفي المشورة الازلية. و هنا نجد شهادة عن طول اناة الرب يسوع، لان الخائن ما كان يختار هذه العلامة وسيلة لتسليم سيده لولا علمه بطول اناة السيد التي لا تحد.
يجيبه الرب في حزن و اشفاق "يا صاحب لماذا جئت؟". من يتصور مثل هذه الرقة في مثل هذا الظرف؟ في نظر الكثيرين انه كان الأنسب ان يقول له "اذهب عني يا شيطان" لكننا نسمع صوتا كنبرات صوت اب عطوف اراد ان يرد نفس الابن السائر في طريق الغواية.
"يا صاحب لماذا جئت؟". ان هذ السؤال المرعب كقصف الرعد يهز قلب الخائن، و ينبه الضمير لحظة من سباته العميق،  ويحس الخائن بنفسه محمولا كما بيد قوية ليقف امام دينونة الله. و لكن يهوذا يقاوم ضميره بعنف و يخمد الصوت المبكت في الداخل، و يفلح في اجباره على السكوت و البلادة و فقدان الشعور. و هكذا نجد ان الرب لم يترك وسيلة، بل سمح بقرعة اخيرة على باب قلبه لم تفلح، تكون نذيرا برفض الخائن الى الابد. عندئذ يناديه الرب باسمه "يا يهوذا"، و كأنه لا يزال يريد ان يتأكد من صحة الامر "ابقبلة تسلم ابن الانسان؟"
كان هذا الوداع الاخير للمرتد التعس، ويل لهذا الشقي البائس! لقد انتصرت عليه قوات الجحيم و تخلت السماء عنه، و ظل رعد هذا السؤال يدوى في رأس يهوذا.
ان الجرثومة التي عملت في يهوذا توجد في كل واحد منا، و قد تنمو و تتكاثر قبل ان ننتبه لها، ان كنا لا نضع انفسنا في وقت مبكر تحت حماية النعمة الالهية، فان الشيطان لا يكف عن ان "يجول ملتمسا من يبتلعه". ليتنا نسرع لاجل خلاص انفسنا و نحصن قلوبنا كمدينة تحاصرها الاعداء.
لكننا ينبغي ان نطلب الحمى حيث لا يمكن ان نجده في مكان آخر، تحت اجنحة المسيح، انه هو صخرنا و حصننا، ملجأنا و قوتنا، و عوننا السريع في وقت الشدة.