27 سبتمبر 2013

سكتش: أريد ان أخرج من الجنة

"اريد ان اخرج من الجنة" هو اسكتش يعتمد على الرمزية في افكاره، فهو يقصد بـ "الجنة" انها "جنة الشيطان" اي ملذات الخطية. و هذا ما يصوّره ابليس لاتباعه انهم يعيشون في جنة. و يقدم الخطية على انها كوب ماء يشربه الانسان، و هذا تجسيد لما جاء في (اي15: 16) "مكروه و فاسد الانسان الشارب الاثم كالماء". كما يقدم سر الافخارستيا على انه شجرة الحياة في وسط الجنة و التى انهى ابليس اتباعه عن الاكل منها، بالاضافة الى انه حجبها بستارة سوداء عن اعينهم.. ابدع المخرج في شرح افكاره و ربطها باقوال الكتاب المقدس باستخدام وسائل فنية رائعة.
الافكار الاساسية فيه:
1. سوداء و جميله
2. هل حقاً حرركم الابن
3. ألأن و ليس غداً
1- سوداء و جميله:
هذا هو حال شجرة الحياه ... فكما كان الموت فى ثمره حسنة المظهر ( تك 3: 6)، هكذا أصبحت الحياه فى ثمره لا صوره لها ولا جمال " السيد المسيح" ( أش 53 : 2 ). فما هى شجرة الحياه سوى جسد ربنا يسوع المسيح المعلق على عود الصليب.
و لكن دائماً ما يشككنا الشيطان فى فاعلية الجسد المقدس و يضع شجرة الحياه خلف ستار أسود ليحجب عن عيوننا الخلاص .
فيما يظهر الشيطان أمامك بصورته الملائكيه العذبه ملآن من الحكمه و كامل الجمال (حز27 : 12) و يجعلك تتذوق الموت فى عذوبة الخطيه و جمال رونقها و كأنك من سكان الجنه ..!
2- هل حقاً حرركم الابن:
"ولا سمعنا أنه يوجد الروح القدس" ( أع 19 : 2 ). هذا حال الكثيرين منا الذين يلقون بأنفسهم تحت يد الخطيه، ولا يفكرون حتى فى الجهاد ضدها متجاهلين تماماً دم يسوع المسيح الذى أبطل سلطان الموت و أعطانا الحياه الابديه، و سلطاناً على كل قوات العدو هذا الذى به نصرخ اين شوكتك يا موت ، أين غلبتك يا هاويه (1كو 15 : 55 ) ..
3- الان و ليس غداً:
" كم من أجير لأبى يفضل عنه الخبز و أنا أهلك جوعاً .! " ( لو 15: 17 )
هل ستظل مكانك تشتهى الخرنوب الذى بين أيدي الشيطان ، أم أنك سترجع إلى أبيك ليلبسك الحله الجديده ..

متى أعود اليك يارب ، عندما لا يعد فىّ صحه على الصوم .. أم عندما تشيخ عينىّ عن قراءة كلامك ! هل سأقوى وقتها على خدمتك أم أنى سأكون كهلاً عجوز لا يقوى على الكلام ولا على التفكير .! ... متى أعود اليك يارب ياإلهى من يضمن لى الدقيقه القادمه فى عمرى . هل لازلت فى حاجه الى من يذكرنى كل يوم و يهمس فى أذنى " أن التراب فى القبر لا يسبح و ليس فى الموت من يذكر ولا فى الجحيم من يشكر " .. الأن أقوم يارب ... الأن أقوم و أصرخ اليك " أخطأت ياأبتاه فى السماء و قدامك و لست مستحقاً أن أُدعى لك إبناً بل إجعلنى
كأحد أُجرائك .،،
الأن و ليس غداً .....

13 سبتمبر 2013

الارملة اللجوج و القاضي الظالم


في طريق عودة طابيثا لقطعة الارض الي خلّفها لها زوجها هارون بموته، استوقفها احد رجال عاموس و منعها من الوصول اليها..
- الى اين يا طابيثا؟
- الى ارضي.
- لم تعد بارضك منذ امس فقد ضمها الباشا الى اراضيه. و امرني ان ابلغك بالوضع الجديد و ان امنعك من الوصول اليها..
- ماذا؟ تمنعني عن ارضي؟..
- اسف يا امرأة، فانا عبد الآمر و ليس بيدي شئ.
- و لكن عاموس باشا لديه مائتا فدان. و انا امرأة فقيرة اربي اولادا..

لم يجبها الرجل ذو الشارب العريض و استمر واقفا امامها في طريقها. و عندما حاولت الافلات نحو ارضها صدها بذراعه القوية قائلا لها بخشونة:
- لا داعي لذلك. فلتمض و تشتكي للقاضي فقد ينصفك..

****
امالت طابيثا رأسها، و بقيت دمعة ما زالت لاصقة على وجهها الحزين، على شدرخ حارس دار القضاء و همست في اعياء..
- ليكافئك الله! اسمح لي برؤية القاضي.
لا يعرف شدرخ لماذا صمت قبل ان يجيبها لفترة..
- كل شئ بوقت يا امرأة، بعد شهر من الآن، و خذي دورك..
انزعجت طابيثا لما تسمع.
- شهر؟ لا. لا استطيع. ان الامر عاجل..
و غلبتها دموعها فبكت، و اختلط كلامها ببكائها فالتصق بها صغيرها ذو العامين، ونظر اليها و الهول يملأ عليه دنياه الصغيرة.
- هدئ من روعك يا امرأة من اجل الصغير ..
- اسمع. انا امرأة مظلومة. ليباركك الله اجعلني اراه..
- يا امرأة، هنا كلشئ بنظام، عشرات الناس ينتظرون دورهم لعرض قضاياهم على المبجل هامان.. ليس قبل شهر..
- ان انتظرت شهرا يكون كل شئ قد ضاع.
- لا لن يضيع حقك.
- اليوم. ان تسمح. اليوم ..
- حسنا. امضي الان و تعالي في مثل هذا اليوم من الاسبوع القادم.
- لا. ليرحمك الله. ان دخلت الان و حدثته عن امري ستأخذه الرحمة و يراني.. اليوم. ان تسمح..

***
شدرخ حارس دار القضاء رجل طيب، احيانا يترك نفسه الحساسة على سجيتها فيجلب على نفسه غضب هامان و صراخه.. اقترب شدرخ من القاضي هامان، و مال على اذنه و همس: 
- امرأة في الخارج تبكي و تلح في ان تراك، عندها شكاية ضد عاموس باشا ..
و لم يدعه هامان يكمل ما يقول و اطاح بظهر يده في الهواء ..
فعاد الى المرأة بلا رد..
قرأت طابيثا في وجهه الاجابة:
- ماذا قال؟ هل سأراه؟
- لا يا سيدتي، ليس اليوم.. تعالي بعد اسبوع.
- بعد اسبوع يكون كل شئ قد استتب للداشا و رجاله.
- يا امرأة لا تلحي اكثر من هذا، ما انا الا مأمور..
- ليرعاك الله، و ليرع خاطرك ان اخذت بخاطري، قل لى من اجل الصغير، قل لي انني سأقابله غدا.
زفر شدرخ في ضيق. و قال :
تعالي غدا.

***
القاضي هامان يسميه الناس القاضي الظالم. ميزان العدل عنده مختل... في صباح الغد كانت طابيثا عند باب القاضي و بيدها صغيرها..
اتجه شدرخ نحو هامان و همس في تردد..
- سيدي. اتذكر السيدة التي استولى عاموس باشا ارضها و حدثتك عنها بالامس؟ انها بالباب اليوم و تلح لمقابلتك..
فنفضه هامان تماما كما فعل بالامس،.. و بعينين حمراوين انتهره بصراخ:
- ماذا دهاك يا احمق. ماذا بوسعي ان افعل لك انت و امرأتك. ماذا بينكما؟
- لا شئ يا سيدي سوى احساس الرحمة..
- ماذا اذن؟ ماذا؟
- انها تلح. انها بالباب كل يوم. و لا تكف عن البكاء.
- اطردها. اخرج. اهرب من غضبي. هذه هي دار القضاء و ليست مأوى ارامل و ايتام..
خرج شدرخ بوجه كامد. عندما رأته طابيثا تراجعت الى الخلف.. عاجلها شدرخ و كله حنق:
- اسمعي يا امرأة لا اريد ان اخسر وظيفتي بسببك...
ازرق وجه طابيثا. و راحت تبلع ريقها مرات و عيناها زائغتان و لم تنطق بحرف.. و امام نظرات شدرخ الحادة انسحبت من مكانها كمن قبل حكم الموت، فاعطته ظهرها و راحت تجرجر قدميها. و عندما ابتعدت قليلا استدارشدرخ بوجهه ليرقبها و هي تبتعد. كانت عيناه هو في هذه المرة هما اللتان التمعتا بالدموع، و شئ كالمكواة الساخنة مس قلبه بعذاب مبهم. بالذات و هو يرى الصغير و هو يجري في عقبها كحمل صغير.

***
فقدت طابيثا رجاءها في اهل الارض لكنها لم تفقد ايمانها برحمة الله. و ظلت لايام عدة لا تفتأ تتردد على دار القضاء تقف عبر الشارع من بعيد بعينين زائغتين.
احيانا يلحظها شدرخ. فلا يبدي ملاحظته، و لكن ان حدث و تلاقت اعينهما في نظرة خاطفة، باهتة بلا معنى من قبل طابيثا، و حادة مقطبة من قبل شدرخ حتى لا تتشجع طابيثا و تلح من جديد.. حدث هذا كثيرا فطابيثا صارت كمن يترددد على قبر ميت عزيز، فعند دار القضاء مات املها في استعادة قطعة الارض.
ثم عن لها يوما ان تتجاسر. فماذا ستخسر ان هى الحّت على هامان نفسه. سأعبر الشارع واقف عن قرب من باب دار القضاء، سأنتظر هامان هناك في موعد مجيئه و رواحه، سأحادثه ان واتتني فرصة، ان لم تواتني فسيرى بالتأكيد عينى الدامعتين.
كم من المرات ذهبت لترى نفسها لهامان. عشر مرات؟ عشرين مرة؟
و في يوم استدار نحو طابيثا قبل ان يختفي و ناداها:
- يا امرأة ..
فاسرعت نحوه و هى لا تصدق اذنيها، فالنداء الذي سمعته خال من اي وعيد، بل به – يا للسماء – مس من حنان..
- نعم يا سيدي.. امتك طابيثا
- - تعالى اليّ اخر النهار
- حسنا يا سيدي. ليحفظك الله و يطيل عمرك.
كان شدرخ ينصت و لا يصدق هو الاخر.
و في اخر النهار دخلت المرأة، فقال لها بصوت هادئ غاضب:
- لماذا تزعجيني يا امرأة كل هذا الازعاج؟
- سيدي. زوجي هارون مات منذ سنوات تاركا لى ثلاثة اطفال و قطعة الارض كنت ازرعها و اعول اولادي. ثم جاء عاموس باشا و استولى عليها ..
- حسنا. كيف تثبتين انها ارضك؟
- لا احمل اوراقا تثبت شيئا.
- شهود؟
- شهود! شهود يا سيدي القاضي؟ من هذا الذي يجرؤ ان يقف معي ضد عاموس باشا؟
- و ماذا استطيع فعله و ليس لديك ما يسند قضيتك!
انهمر دمع طابيثا على خديها و لم تجد الكلمات. و صمت الكل لدقيقة وجدت طابيثا بعدها نفسها. ثم انسابت الكلمات من فيها بهدوء كانساب مياه الجدول.. قالت:
- سيدى هامان، ليحرسك الله من كل شر. اتذكر يا سيدي قصة ناثان مع داود. قصة الغني الذي اعتدى على جاره الفقير و اغتصب نعجته الوحيدة الصغيرة ليصنع بها وليمة لضيفه. انه انا ذلك الفقير. سيدى هامان. اعرف ان خصمي قوي بينما امتك ضعيفة.. لكننا كلينا امامك لا نزيد عن كوننا ظالم و مظلوم ..
- كفاك يا امرأة.
قرر هامان ان يستدعى عاموس باشا.. و يدخل عاموس الى دار القضاء و برفقته اثنان من رجاله.
- اتعرف هذه المرأة يا عاموس؟
- لا. لا اعرفها.
- ربما يعرفها رجالك.
فتحول عاموس الى الرجلين و سألهما:
اتعرفان المرأة؟
رد واحد منهما:
- هذه امرأة هارون
- عاموس. اعد لها الارض.
اكفهر وجه عاموس و قد احتقن بالغضب المكبوت. وفحّ بصوته و هو يسأل، صوته خليط من الغضب و الاستعلاء و الاستنكار..
- اى ارض؟
- الارض التي خلفها لها زوجها..
- و لكنني دفعت الثمن!
- للمرأة؟
- لا.
- اذن اعد لها الارض، و لنرى من اخذ منك الثمن حتى نعيده لك.
استدار عاموس ووجد طريقه الى الخارج و رجلاه يتبعانه، و قبل ان يختفي جاءه صوت هامان منذرا..
- عاموس. لا اريد ان اسمع عنك او عن رجالك انكم تضايقون المرأة.. ما ان خرج.. حتى انهمرت من فيها كلمات الشكر و العرفان كمياه السيل..

===
"ان كان القاضي الظالم انصف الارملة من اجل لجاجتها افلا ينصف الله مختاريه الصارخين اليه نهارا و ليلا و هو متمهل عليهم" لو16: 7

12 سبتمبر 2013

الغفران الكامل

الخطية ثقل رهيب ليس في قدرة الإنسان احتماله... ويشعر الإنسان بثقل خطاياه عندما يستيقظ ضميره.... أو يبكته الروح القدس. عندما واجه الله تبارك اسمه قايين بخطية قتل هابيل أخاه، صرخ قايين قائلاً"ذنبي أعظم من أن يحتمل" (تكوين 4: 12). وأيوب يقول بأنين وهو يجتاز تجاربه المحرقة مخاطباً الله القدوس: "لأنك كتبت عليّ أموراً مرة وورثتني آثام صباي" (أيوب 13: 26)... وداود إذ يذكر آثامه يتنهد بحزن قائلاً"ليست في عظامي صحة من جهة خطيبتي. لأن آثامي قد طمت فوق رأسي. كحمل ثقيل أثقل مما أحتمل" (مزمور 38: 3و4).
بسبب الشعور بثقل الخطية يصاب الكثيرون بمرض الكآبة... ويحاول الكثيرون نسيان خطاياهم بالمخدرات والمسكرات أو بالانغماس في الملذات... ولكن "هيهات"!! العلاج الوحيد للخلاص من ثقل الخطية، وبالتالي للخلاص من دينونة الله والوقوع تحت غضب الله هو الحصول على الغفران. لهذا السبب تهلل بولس الرسول قائلاً عن المسيح: "الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا حسب غنى نعمته" (أفسس 1: 7). فنوال غفران الخطايا يريح القلب، ويعطي للضمير سلاماً، وللنفس فرحاً.وسأضع حديثي في هذه الرسالة في كلمتين":

أولاً: الغفران الإلهي:
الله وحده هو الذي له حق الغفران، فالخطية إساءة موجهة إلى الله لأنها تعدّي على وصاياه...الخطية حين ننظر إليها في حقيقتها هي "احتقار الله"... قال الله لداود بعد أن زنى مع بثشبع زوجة أوريا وقتل أوريا: "والآن لا يفارق السيف بيتك إلى الأبد لأنك احتقرتني". (صموئيل 12: 10). إن الله وحده غافر الخطايا، لذلك نقرأ عنه في المزمور: "إن كنت تراقب الآثام يا رب يا سيد فمن يقف. لأن عندك المغفرة لكي يُخاف منك" (مزمور 130: 3و4). ليس في وسع إنسان أياً كان أن يمنح إنساناً الغفران.
والآن: ما معنى الغفران؟ وما أساس الغفران؟ وكيف تنال الغفران؟
 
معنى الغفران الإلهي:
الخطية فضيحة تحتاج إلى "الستر"... وهي سحابة سوداء تفصل بين الله والإنسان تحتاج إلى "المحو"... وهي مكتوبة في سجلات السماء تحتاج إلى "الإزالة"..وهي ثقل على النفس والضمير تحتاج إلى "الرفع"، والغفران الإلهي يحوي كل هذه المعاني

الخطية فضيحة تحتاج إلى الستر "طوبى للذي غُفر إثمهُ وسُترت خطيته" (مزمور32: 1). والمسيح "ستر" خطية المؤمن حين سفك دمه على الصليب، فقد قال عنه يوحنا الرسول: "إن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار. وهو كفارة لخطايانا. ليس لخطايانا بل لخطايا كل العالم أيضاً" (1يوحنا2: 1و2).
وكلمة "كفارة" تعني غطاء وستر... وقد قال شاعر عربي وهو يصف ليلة مظلمة "في ليلة كفر الغمامُ نجومَها" أي غطى السحاب نجومها. فحين يغفر الله خطاياك فهو يغطيها، يغطي فضيحتك ويسترها بدم المسيح.
الخطية سحابة سوداء تفصل بين الخاطىء الأثيم والله القدوس، وتحتاج إلى المحو "قد محوت كغيم ذنوبك وكسحابة خطاياك" (أشعياء 44: 22). قال الله للعب المتمرد الأثيم: "ها إن يد الرب لم تقصر عن أن تخلص ولم تثقل أذنه عن أن تسمع بل آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع" (أشعياء 59: 1و2). فحين يغفر الله خطاياك، يمحوها فلا تبقى فاصلاً بينك وبينه.
الخطية مكتوبة في سجلات السماء تحتاج إلى الإزالة.
"خطية يهوذا مكتوبة بقلم من حديد برأس من الماس... ومنقوشة على لوح قلبهم وعلى قرون مذابحكم" (إرميا17: 1).
خطيتك مكتوبة بقلم من حديد برأس من الماس.... ومنقوشة أي محفورة على لوح قلبك... وحين يغفر الله خطيتك يزيلها من سجلات السماء، ومن على لوح قلبك.
الخطية ثقل ينقض الظهر تحتاج إلى رفعها. يقول داود في المزمور: "اعترف لك بخطيتي ولا أكتم إثمي. قلت أعترف للرب بذنبي وأنت رفعت آثام خطيبتي" (مزمور32: 5). وحين يغفر لك الله خطاياك يرفع ثقلها عن ضميرك وقلبك.

الأساس الوحيد للغفران الإلهي:
يخدع نفسه من يعتقد أن بإمكانه الحصول على الغفران بأعماله الصالحة... إن مبدأ الحصول على الغفران بالأعمال الصالحة ابتدعه "قايين" حين قدم من ثمار مجهوده في زراعة الأرض قرباناً للرب، ورفض الرب قربانه. إن الله يصف أعمال الإنسان الصالحة بثوب العدة... "وقد صرنا كلنا كنجس وكثوب عدة كل أمال برنا" (أشعياء64: 6).
وثوب العدة يحوي معنيين..إنه ثوب نجس...وهو في ذات الوقت ثوب مهلهل لا يستر عرياً... فأعمال الإنسان الصالحة في نظر الله ثوب نجس، مهلهل لا يستر خطية الإنسان.
الأساس الوحيد للغفران الإلهي هو دم يسوع المسيح، وهذا الأساس هو تدبير الله منذ الأزل لخلاص الإنسان من عقاب خطاياه ومن الدينونة الأبدية.
"عالمين أنكم افتُديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء. بل بدم كريم كما ممن حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح. معروفاً سابقاً قبل تأسيس العالم.." (1بطرس1: 18-20).

فقبل تأسيس العالم...وقبل أن يخلق الله الإنسان...وقبل أن يسقط الإنسان ..دبّر الله فداء الإنسان بدم المسيح الكريم. "وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة" (عبرانيين9: 22).
وقد يخطر ببال أحد السؤال: لماذا لم يغفر الله بكلمة؟ لماذا اقتضى الغفران أن يُصلب المسيح، ويُسفك دمه؟ وأجيب: إن عدل الله لا يسمح له أن يغفر بغير حساب.. وقداسة الله لا تسمح له أن يغفر السّيئات بالحسنات... ورحمة الله دبّرت الغفران للإنسان بدم الصليب، الذي التقت فيه عدالة الله، بحكمة الله، ورحمة الله، وظهرت فيه بصورة مجسمة محبة الله.

وللذي يقول لماذا لم يغفر الله خطايا الإنسان بكلمة؟ أقول: إن الله قد غفر خطايا المؤمنين "بالكلمة" الذي هو يسوع المسيح" في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله (يوحنا1: 1) والله القدوس لم يغفر الخطايا بمجرد الكلام، بل غفرها بالآلام...آلام المسيح التي احتملها عن البشرية جمعاء بموته على الصليب. وكان في موته على الصليب كل الكفاية للغفران، لأنه لم يكن مجرد إنسان بل هو "خالق الإنسان" "كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان" (يوحنا1: 3). ولذا ففي دمه الكريم كل الكفاية لفداء الإنسان ومنح من يؤمن به التطهير والغفران... وبدون الثقة في كفاية دم المسيح.. لا غفران.

كيف تنال الغفران الإلهي؟
الطريق لنوال الغفران الإلهي، هو طريق التوبة الحقيقية عن الخطية، والإيمان القلبي بكفاية دم المسيح للغفران.
"اطلبوا الرب ما دام يوجد ادعوه وهو قريب. ليترك الشرير طريقه ورجل الإثم أفكاره وليتب إلى الرب فيرحمه وإلى إلهنا لأنه يكثر الغفران" (أشعياء55: 6و7).
وترك الطريق معناه أن تترك طريقك الذي اخترته لنفسك.... طريق الحياة للملذات... أو للحصول على الماديات...أو للوصول إلى مركز القوة والسيادة...أترك طريقك المضاد لمشيئة الله .

وأترك أفكارك. أفكار الشك في صدق كلمة الله..أفكار الشك في صدق دينونة الله...أفكار الشك في حقيقة محبة الله...هذه هي التوبة الحقيقة...وبعدها لا بد أن تؤمن إيماناً قلبياً بكفاية دم المسيح للغفران وترفض نهائياً الاعتماد على أعمالك الصالحة. "لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم هو عطية الله. ليس من أعمال كي لا يفتخر أحد" (أفسس2: 8و9).

الغفران بالنعمة...ونعمة الله معناها إحسان إلى إنسان لا يستحق الإحسان".

لما سأل حافظ سجن فيلبي بولس وسيلا قائلاً: "يا سيدي ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص؟ أجاباه بصوت واحد: آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص" (أعمال16: 30و31).
فيا أيها المثقل بالذنوب والآثام..تعال بتوبة صادقة إلى الله...واثقاً تماماً في كفاية دم المسيح للغفران...فستنال الغفران.

كيف تغفر لنفسك؟
هناك حقيقتان لا بد من ذكرهما:
الحقيقة الأولى: إن الله يغفر لك خطاياك ويهبك الحياة الأبدية..وليس بالضرورة أن يعني هذا إزالة الآثار المادية والعقوبة الأرضية التي وقعت عليك بسبب خطاياك.
اللص على الصليب طلب من المسيح المصلوب إلى جواره قائلاً: "اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك. فقال له يسوع الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي في الفردوس" (لوقا23: 42و43).
ومع أن اللص خلص، ونال الغفران الإلهي... إلا أن الرب لم يُنزله عن الصليب.. لقد بقي جسده مصلوباً حتى مات...غفر المسيح خطاياه، لكن آثار وعقوبة خطاياه الأرضية بقت عليه.
الحقيقة الثانية: إن كثيرين رغم نوالهم الغفران الإلهي يعيشون حياتهم معذبين بذكريات خطاياهم..وهذا خطأ كبير... ان دم المسيح يغسل الضمير من الشعور بالذنب، وهذا حق يجب تطبيقه عملياً في حياتك كمؤمن.
قيل عن الرب يسوع المسيح: "الذي أحبنا وقد غسّلنا من خطايانا بدمه" (رؤيا11: 5).
عندما رفع داود صلاته الباكية بعد سقطته السوداء قال: "طهّرني بالزوفا فأطهر. اغسلني فأبيضّ أكثر من الثلج أسمعني سروراً وفرحاً فتبتهج عظام سحقتها. استر وجهك عن خطاياي وامحُ كل آثامي" (مزمور51: 7-9).

فعندما يمنح الله غفرانه للمؤمن يطهره، ويغسّله فيبيضّ أكثر من الثلج. وهذا يعني أن شعوره بالذنب شعور خاطئ يجب أن يطرحه بعيداً عنه.. ويعني أن يغفر لنفسه ما فعله في ماضيه على أساس غفران الله له.

إن الله حين يغفر يطرح خطايا المؤمن في أعماق البحر.

قال ميخا النبي: "من هو إله مثلك غافر الإثم وصافح عن الذنب..يعود يرحمنا يدوس آثامنا وتُطرح في أعماق البحر جميع خطاياهم" (ميخا 7: 18و19).

الله يطرح خطايا المؤمن بفاعلية دم المسيح، ليس في النهر لأن النهر قد يبس، وإنما في أعماق البحر... ويطرح "جميع الخطايا" بلا استثناء، خطايا الماضي، والحاضر، والمستقبل، فلا تعود للظهور... ويعطي للمؤمن وعده الثمين "أنا أنا هو الماحي ذنوبك لأجل نفسي. وخطاياك لا أذكرها" (أش 43: 45). فالله يمحو ذنوب المؤمن بالمسيح لا على أساس أعماله الصالحة..بل "لأجل نفسه"... لأجل ما عمله في المسيح على الصليب "أي أن الله كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم" (2 كورنثوس 5: 19).

فيا أيها المعذّب بذكريات سقطاتك وآثامك.. ويا من أصبت بالكآبة بسبب شعورك الدائم بذنوبك..اغفر لنفسك واطرح عنك الشعور بالذنب، واهتف مردّداً مع الملك حزقيا بعد أن مرض وشفي: "هو ذا للسلامة قد تحوّلت لي المرارة وأنت تعلقت بنفسي من وهدة الهلاك فإنك قد طرحت وراء ظهرك كل خطاياي" (أشعياء 38: 17). وعش مرنماً من كل قلبك:
قد محا فوق الصليب دم ربي إثمي
وعن القلب الكئيب زال كل الهمّ.

منقول عن موقع الشبيبة http://shabeeba.arabicbible.com/

11 سبتمبر 2013

شهداء قرطاجنة


ام تضحي بامومتها.. و اخرى تتمخض تستنهض الام ولادتها لتنال اكليل شهادتها.. و ثالث يود ان تمزقه الاسود و تطحنه و تصيّره اهلا لان يكون تقدمة.. و رابع يريد ان يموت بعضة واحدة، ليدفن في سيول دمائه، حتى يكون له هذا بمثابة معمودية و حميما مقدسا.. هؤلاء هم شهداء قرطاجنة، بربتوا ، فيلي، ساتورس و سانوريننس..

-1-

يتقدم نحوها، يحمل ثقل السنين على كتفه، و يقول لها في توسل:

-          يا ابنتي بربتوا، ارحمي شيبتي و اشفقي على ابيك، لقد احببتك و ميزتك على كل اخوتك، فلماذا تسلميني للعار و ألم الفضيحة .. و ان لم ترحمي شيخوختي، فاذكري طفلك الرضيع، الذي لا يقدر ان يعيش بدونك.

و تتنهد بربتوا.. فكلمات ابيها كالسياط تلهب عاطفتها. و بينما هي تعتصر بالالم و يموج به قلبها، ترفع عينيه الى فوق كمن يستلهم قوة، و تقول له:

-          يا ابي اني احبك.. و لكنني احب ايضا المسيح الذي خلصني.. حبه يسبيني، و يرفعني فوق كل عاطفة.. فوق كل الخليقة. انني فيه احب كل احد و به احب كل الناس.

وتدور في ارجاء المكان و تقع عيناها على جرة ماء .. فتلتفت الى والدها و تستطرد:

-          هل ترى جرة الماء هذه يا ابي؟

-          نعم يا ابنتي.

-          هل تستطيع هذه الجرة ان تغير اسمها، او ان تكون غير ذلك؟

-          طبعا لا!

-          هكذا انا .. انا لا استطيع ان اكون الا مسيحية.. و ليس في وسعي ان اغير اسمي او ان ادعى بغير هذا الاسم.. انا مسيحية. انا مسيحية!

هنا يثور الشيخ، يريد ان يضرب ابنته و لكنه يقف عاجزا عن الحركة، و عاجزا ان يحولها عن طريق قررت ان تسلك اليها ..

....

شئ واحد كان يدمي قلب بربتوا امومتها!

كلمات والدها كالسياط تلهب قلبها.. و يكاد طفلها الرضيع يمزق عاطفتها.. وماذا عساها ان تفعل و قد وصلت الى حالة من الضعف جعلها لا تحس بالام السجن او قسوة الحراس.. هنا تركع بربتوا ترفع قلبها.. و تحمله الى فوق بواسطة ايمانها.. و ترتفع كثيرا فوق ضعفها- و تستسلم استسلاما عذبا و هي تذبح امومتها، و تخاطب خالقها:

"الهي.. ها هي حياتي كلها بين يديك..

جسدى و عاطفتي لن امنعها عنك..

و طفلي الرضيع.. تسلمه انت يا حارس الاطفال الصغار.. و دعني استرح فيك يا جابلي و اختبئ في جراحاتك.."

و يسمع الله لنداء قلبها.. فيحصل اخوها على اذن من السلطات، بواسطته يدخل الطفل الى امه لترضعه..

و ماذا عن فيلي العبدة التى كانت تخدم بربتوا؟.. وقد صارت بالمعمودية اختا لها.. نسمع القابلة التى استدعيت للاشراف على ولادتها ترميها بعبارات الاستهزاء و تقول لها:

-         - اهكذا تتلوين من الام مخاض؟ كيف اذن ستواجهين انياب الوحوش؟!

هنا ترتفع فيلي فوق الامها و تقول لها في قوة:

-       - انا هنا اتألم بمفردي. و لكني حين اطرح للوحوش يوجد معي من يتألم معي و يحمل عذباتي. انه مسيحي الذي يتألم عني. فهو مقوى الشهداء!


و بقى ان نقف و لو برهة صغيرة نستمع الى ساتورس و هو يخاطب زميله و يقول له:

-        - كم اشتاق ان تطوف بي الوحوش، تمزقني و تطحن عظامي، و تصيرني اهلا ان اكون تقدمة مباركة..

-          ويرد عليه زميله:

-       - لا انا لا اشتهي ذلك انني اكره الدب .. كم اشتاق ان اموت بعضة واحدة من نمر مفترس . لاسبح في دمي و يصير دمي لي معمودية ثانية و حميما مقدسا..

-    
   هكذا كانت الجماعة تمضي وقتها.. تشدهم الى فوق الابدية بامجادها. واذ هم مرتفعون الى فوق يستهينون بكل الم..

-2-

و بينما كانوا يتناولون وجبة الغذاء .. يدخل عليهم السجان و يقودهم الى السوق ليقفوا مع غيرهم امام الوالي هيلاريان.. و هنا اترك لكم بربتوا تحكي لكم ما حدث:

(لقد اوقفونا على رصيف عال.. و كان الكثيرون يعترفون بالمسيح، حتى جاء دوري.. و اذ بأبي يحمل رضيعي و يقترب مني.. و يصرخ في وجهي قائلا:

-          ارحمي رضيعك!

-          و بينما تثور فيّ امومتي.. يبادرني هلاريان و قد وجدها فرصة مناسبة و يقول لي:

-        - اشفقي على شيخوخة ابيك و ارحمي رضيعك الصغير و قدمي ذبيحة على سلامة الامبراطور..

-          و هنا في اصرار و قوة اجابته:

-          - لن افعل..

-          فعاد يسألني:

-          - هل انت مسيحية؟

-          فاجبته:

-          - نعم انا مسيحية!

-          و خفق قلب والدي.. و كأنه اراد ان يمنعني عن الاعتراف.. و بينما يهم بمقاطعتى يشده واحد من الجند .. و هنا نطق هلاريان بالحكم علينا جميعا .. ان نلقي للوحوش.. 

واقتيد الجميع الى ساحة الموت.. و بربتوا امامهم تنشد مزمور الغلبة:

-          "الرب نوري و خلاصي ممن اخاف. الرب حصن حياتي ممن ارتعب".


نمر مفترس يطلق على ساتورينوس و حين يقترب منه يجفل منه.. فينطلق عليه دب شرس اخذ يلطمه و تتناثر اشلاء جسده هنا و هناك..

و خنزير بري يطلق على ساتورس- و لكن الخنزير يهجم على مروضه و يفترسه، و يظل البطل في مكانه يستخف بمعذبيه و يقول لرئيس السجن:

-          ها قد حدث كل ما توقعت. ان شيئا لا يقدر ان يؤذيني و لكنى انا اختار الالم طواعية - سأذهب بنفسي الى النمر و سترى انه بعضة واحدة ينتهي كل شئ و انال ما اريد.

و يهجم عليه النمر و يعضة عضة واحدة فيسقط مضرجا بدمائه و الشعب الذي امن بالمسيح .. القلة من الحملان تهتف له: معمودية ثانية – حميما مقدسة!!.. بينما بقرة متوحشة تهجم على بربتوا و فيلي! تمزق جسديهما و تمزق معهما ملابسهما و هنا تنسي بربتوا الآمها و تهتم ان تضم الرداء لتستر نفسها و تغطي جسدها..

و تمسك بربتوا بفيلي و تتساندان ثم تقفان موقف القوة و الشجاعة و اخذت تنادي .. و لعل صوتها لا يزال يعبر الزمن و يسمع على مر الايام و هي تقول : 
"اثبتوا في الايمان و احبوا بعضكم بعضا، و لا تجزعوا من الامنا".

و انتهى مشهد الوحوش ليسدل بعده الستار ثم لينفرج عن مشهد اخر غير علني عندما تقطع رقابهم بالسيف بينما الجمهور الشقي الغارق في اللذة يطلب ان تقطع رقابهم في مشهد علني..

ويقف الاربعة يقبلون بعضهم بعضا قبلة المصالحة و الدماء تنزف منهم.. و لكن قوة الايمان تشد ازرهم.. و تقدم كل واحد منهم الى السياف يمد رقبته.. و تسقط ارأس مختلطة بتراب الارض.. بينما تكون الروح قد استوطنت في اللحظة ذاتها الراحة الابدية..
====

ما اعظم ايمان جماعة قرطاجنة الشجعان.. الذين بالايمان اخافوا الشيطان و بالايمان تقووا من ضعف و صارت سيرتهم درسا على مدى الازمان .. بركة شفاعتهم تكون معنا. امين.

6 سبتمبر 2013

حروب الشيطان

لا تنتظر أماناً فالعدو يلاحقك باستمرار . إن لم يكن غضبُه علنياً فهو يسعى بمكر. ولذلك فقد سمي الأسد والتنين . سموّه أسداً لما يبديه من غضب وسموه تنيناً لما يخفي من مكر.
لا تظنن الشيطان قد فقد شراسته ولهذا فحين يمالقك ، ويجب أن تزيد خشية منه.
وكيف يسعك أن تنتصر على عدوّ غضبان إذا لم تتمكن من الانتصار عليه متى لاطفك؟
أنه يمالقك واعداً بالأمجاد والثروات والملذات ، ويهددك مغالياً في العذابات والحرمان التي تنتظرك.
الحية تهمس في أذنك قائلة لتدفع بك إلي الإثم: ولماذا تحيا هكذا؟ أأنت وحدك مسيحي؟ ولمَ لا تعمل كغيرك؟
العدو يلحّ عليك ويلحّ والأفظع من هذا كله أنه يخنق المسيحيين بمثل المسيحيين.
راقب نفسك ولا تقتد بالأشرار.
ولا تقل: سأعمل هذا لأن الكثيرين من المسيحيين يعملونه ، وذاك ليس موقف من يستعد للدفاع عن نفسه بل حال من يبحث عن رفاق له إلي جهنم.
أنم في أرض المجربّ وكبريائه ، إن دفعته عنك وراقبت رأسه عجز عن الدخول إلي قلبك . قد يحاصر مدينة محصنة لكنه لن يتمكن من الأستيلاء عليها سيستمر في الضرب لكي يهاجم أما إذا وجد الباب موصداً فسيمر عابراً.
لتكن نار التجربة امتحاناً لك ، إن وجدت ذهباً ولم تجد قشاً نزعت عن الذهب الوسخ العالق دون أن تحوله إلي رماد.  لا تعجب بما يضحك لك في العالم ، ولا تنشئ حواراً مع شهواتك.
ابن بيتك على المسيح ، إن لم تشأ أن يجرفك النهر والريح والسيل. إن شئت سلاحاً ضد تجارب عدوّك فأعمل على أن ينمو في قلبك ويترسَّخ الشوق إلي أورشليم السماوية.
سوف ينتهي الأسر وتحلّ السعادة ؛ سوف يهلك خصمك الأكبر وتنتصر إلي الأبد مع الملك. 
 القديس اغسطينوس

5 سبتمبر 2013

التجارب (الضيقات)




المحنة كالنار: إن وجدتك ذهباً نزعت ما فيك من أوساخ ، وإن وجدتك تبناً حوّلتك إلي رماد.
أعتبر هذا العالم كور صائغ تجد فيه على السواء الذهب والتبن والنار: الأبرار فيه كالذهب والاشرار كالتبن والتجربة كالنار والله كالصائغ.
البار يسبح الله والذهب يلمع ؛ الكافر يجدّف على الله والتبن يدخّن: أحدهما يتنقي والآخر يهلك بالتجربة ذاتها كما بالنار ؛ أمّا الله الذي هو الصائغ فأنه يُمْدَحُ من أجل هذا وذاك.
كثرة الأشرار مناسبة دائمة لتنقية الأبرار ؛ لأنه وإن أختلط الأبرار بالأشرار واختفوا في صفوفهم فإن الله يعرف خاصته.
لا تضيع سبيكة صغيرة من الذهب في كومة من التبن إذا كانت يد صائغ كهذا الصائغ فوقها.
ما أكثر التبن وأقل الذهب ! ولكن لا تخف لأن الصائغ يتمتع بمهارة تخوله أن ينقّي ويحفظ من الضياع.
لك أقول أيها المصغي إليَّ : لا أقول من نفسي وبلساني: كن صالحاً وأحتمل الشر ، كن صالحاً وأحتمل الشر مضاعفاً.
كن صالحاً ولا سيما في باطنك ؛ لأنك إن لم تكن صالحاً في باطنك فلست صالحاً البتة ؛ وعليه ، كن صالحاً من الداخل وأحتمل الشر في الخارج والداخل.
أحتملْ في الخارج من كان خارجاً عن معتقدك وغير مؤمن ، وأحتمل ، في الداخل ، المسيحي غير الصالح .
وإذ تحتمل الأشرار الذين يضايقونك تعجب باطنياً وتشمئز كأن يوم التذرية قد حان لقد وضعت هناك للدياس ولا تزال على البيدر للغربلة.
 تنقل الحنطة والحزم إلي البيدر لكي تؤمن الشعوب فهل تظن أنك الحنطة الوحيدة على البيدر؟
أنتحبْ على البيدر لكي تفرح في الأهراء.
تدرَّبْ على الحياة بين الأشرار ، ولا تقل: إن كان لابدَّ ، أقله ، من الأشرار ، امتحاناً لي فليكن عددهم قليلاً وعدد الأبرار كبيراً.
أنت لا تفكّر بأنهم ، إن كانوا قلَّة ، لما استطاعوا أن يدربوا عدداً كبيراً . إن كنت رجلاً فطناً عرفت أنه لو كثر عدد الأشرار فعلي جيش الأبرار القليل العدد أن يعمل وسط تلك الكثرة من الأشرار. الإنسان في شقائه بعرق جبينه يعمل ، والذهب يتنقي بالعرق.  كنْ إذن في جمال بيت الله.
إن كانت المحنة كالنار فالسعادة كالماء ؛ النار تحرق والماء ينتن ؛ فعلي الإنسان أن يخشى حريق المحنة وماء الفساد.
متى نضَبتْ الخيرات أو حدث ما يسمونه في العلم كارثة ؛ كانت النار ؛ ومتى أزدهرت الأعمال وعاش الإنسان في بحبوحة من الأرض كان الماء.
حذار من أن تحرقك النار ويفسدك الماء. وبالتالي كافح النار ، إذ عليك أن تقسو كإناء الخزف وأن تلقي في أتون النار ليشتد كيانك .
 الإناء الذي قسا لا يخشى الماء ، إن لم يشتد في النار فالماء يذّوبه ويصيره وحلا . لا تسرع إلي الماء بل روحْ إليه ، اعبر النار ، لكي تعبر الماء أيضاً .
حين لا تنفجر في النار ولا تغرق في الماء بل تسبح فوقه تصل إلي الراحة ؛ وبعد أن تجتاز النار والماء تقاد إلي مكان التبريد.
متى أراد الله أن يشدد ما قد كونه يبدو غاضباً عليك . فلا تخف لأنه لا يغضب لكي يهلك وهو أب. إن استبقاك ساعة تهينه كان أشد غضباً.
إن تجارب هذا العالم هي بمثابة عصيّ ، بيد من يصلح ، تجنيباً لقضاء العذاب.
العنب المدلي على الكرمة يبدو كاملاً ولا يشعر بالعصر ، إنما لا يسيل منه شيء . ولكن حين يلقي في المعصرة ويداس ويعصر يبدو وكأنه قد أهين ؛ بيد أن هذه الإهانة ليست عقيمة .
 زد على ذلك أنه لولا تلك المعاملة له لظلّ عقيماً. إن كنت حتى الآن لم تلقَ أي اضطهاد من أجل المسيح فلأنك لم تحيَا حتى الآن بالتقوى في المسيح .
 ولكن متى بدأت تعيش ، تدخل المعصرة حيث تستعد لأن تدوسك الأرجل . ولكن لا تكن جافاً مخافة ألاّ يخرج من المعصرة شيء.
لقد ولدت لكي تتحمل الضربات لأن ولادتك من آدم الذي حُقًّتْ له الضربات.
لا يجلد (يتألم) الخطاة غالباً في هذه الحياة أو قد يجلدون أقل ممل يلزم لأن إرادتهم قد سئمت . وبالنتيجة فإن أعدت لك الحياة الأبدية فمن الضروري أن تجلد ها هنا.
لأن الرأي التالي صحيح: (يا بنيّ لا ترذل تأديب الرب ولا تسأم توبيخه فإن الذي يحبه الربّ يؤدبه ويرتضي به كأب بابنه"أمثال11:3-12").
إن رذلت التأديب فلن تعطي الميراث لأنه من الضروري أن يؤدب كلّ ابن . لقد جلد الكل حتى الآن والذي لم يعرف الخطيئة جلد أيضاً.
أستعد لكي تأخذ نصيبك من الجلد ؛ وإلاّ لما كنت مقبولاً . أنه يجلد كل ابن يرتضيه ، فهل تعفي من ذلك؟ إن لم تتألم مع المجلودين فلن تحصى مع البنين. 
القديس اغسطينوس
عن كتاب "خواطر فيلسوف في الحياة الروحية"